📁 شريط المقالات

السيدة القهوة


الوقت المقدر للقراءة 3 دقيقة و 10 ثانية 

قصة حب بدأت و لن تنتهي ، نتواصل يومياً ، كانت شاهدة على كل تحولاتي و تقبلتني كما أنا مع أخطائي . مرة سألتها الم تشعري بالملل مني ؟ اجابتني : ليس هناك مكان للملل معك ، ففي كل صباح نلتقي أتعرف عليك للمرة الأولى بدهشة جديدة .

 هي سيدة الاصغاء ، لم أقابل مثلها سيدة تتقن فن الإصغاء ، بيننا لغة صمت خاصة ، حتى لو جلس معنا بعض الأصدقاء نبقى نتواصل مع بعضنا بصمت لا يفهمه الآخرين .

 قال لي مرة صديق جلس معنا : لا افهم لغة الصمت التي تتواصلون بها ؟ لكن من يجلس معكم يشعر بحضور الحب و تصيبه العدوى ! 

صديقة أخرى طلبت مني أن أعلمها لغتنا لتشاركنا الحديث ، إعتذرت منها و قلت لها : حبيبتي و أنا نغار على بعضنا و لا نقبل أن نعلم شيفرات لغتنا لأحد ، لكن لا مانع أن تجلسي معنا بعض الوقت و تشاهدي الحب .

طبعا طقوس حبنا السرية تكون لوحدنا فقط بدون أصدقاء معنا . فلحبنا خصوصيته بأسراره و أسواره .

لن أدعي المثالية و أقول أننا لم نختلف يوماً ، طبعا اختلفنا ، و كان هناك الكثير من جلساتنا بلغة حزينة . لكن حتى عندما أحزن أو اغضب لم أتغيب يوماً عنها . قلت لحبيبتي مرة : حزني معك يتحول لشجن ، أشعر بسلام مع هذا الحزن ، لأنك لم تقولي لي يوماً طاقتك سلبية إبتعد عني ، بل دائماً تقولين لي : أحضر مع حزنك الجميل .

 أحدهم أقترح علينا أن نبتعد فترة عن بعض و نجرب شعور الاشتياق ، قلت له : عندما أبتعد عنها لا أشعر بالاشتياق بل بالنقصان ، أما عن الإشتياق فهو حاضر رغم اللقاء الدائم و هذه معجزة حبنا . كيف لك أن تشتاق لشخص تراه كل يوم ؟ هذا ما لم نجد له تفسير لانه لا يحتاج لتفسير .

أما لغة الجسد بيننا فهي خاصة و ناعمة جداً ، احتويها بيدي بكل خفة و حنان و أضعها أحياناً في حضني و يدي حول خصرها ، فلا أحد غيري مسموح له أن يقترب منها و يلمسها .

هي السيدة الوحيدة التي أحبها في كل حالاتها ، أحبها و هي في أعلى حرارة للحب و عندما تنخفض درجة حرارة حبها فتصبح باردة . برودها عذب . أحبها في كمالها و في نقصانها .

 دائما يبدأ طقس الحب و الرواء بحرارة إمتلائها و كمالها لينتهي بنقصانها في فراغها البارد ، في كل مرة نودع بعض تكون أمامي باردة مشبعة بالفراغ ، قبل أن اغادر اتأمل فراغها و ما تركه من أثر حرارة اكتمالها على محيط فراغها ، و أنا أستنشق منتشياً رائحة عمق فراغها الجميل . 

 قبلتي لها هي استنشاق رائحة عبقها بنفس عميق ، نتائجه لا ترقى لها كل تمارين التنفس و اليوغا ، يدخلني في خدر لا ينتهي إلى اليوم التالي عندما نلتقي ، رائحتها أصبحت رائحتي ، اختلطت رائحتي برائحتها ، و من يمر بجانبنا يتوقف ليبتسم و يستنشق رائحتنا ، و في كل مرة يسألنا أحدهم : ما هذه الرائحة ! أقول له رائحة حبنا و عندما يسأل عن أسم العطر ، أقول له : لا يوجد منه في الأسواق ، هذا لنا فقط من خلقنا . و أنا أودعها تطلق اخر صرخة و انا أضع الفنجان في منتصف الطبق ، ليبقى صدى اخر صوت لها حاضر معي إلى اليوم التالي .

 هذه هي ( رواء ) السيدة القهوة ، حبيتي و صديقتي و شريكة الحياة .

على هذا الكرسي جلسوا العابرون و العابرات منهم من ترك أثراً جميلاً لا يمكن حذفه من القلب و منهم من ترك أثراً قبيحاً يمكن حذفه من الذاكرة .
 
و بالنهاية لم يبق أحد معي في طقس حبي سوى القهوة الصادقة المخلصة منذ 25 سنة .

 أحبك حتى النهاية . و أجمل ما في حبنا أننا سنغادر الحياة معاً ، و لن يبقى أحدنا حزين على فراق الآخر ، فلا وجود لأحدنا بدون الآخر ، سنكمل حبنا في عالم أجمل . 

و سنترك لكم رائحة حبنا عندما تمرون بجانب طاولتنا . فكل ما يبقى منا رائحة الذكرى في الذاكرة . 
رامي
رامي
مرحباً ، اسمي من سورية ، مقيم في برلين . أكتب كهاوٍ لكن دائماً من القلب . أدعوكم إلى رحلة في عوالم خيالي و تأملاتي ربما نكتشف معاً أسراراً جديدة . لا أكتب لإقناع أو إنتقاد ، بل للتعبير عن ذاتي ومشاركة أفكاري . يسرني حضوركم و أتطلع إلى تعليقاتكم و آرائكم ، ربما نضيء معاً زوايا جديدة في هذا العالم .
تعليقات